للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المفسرون «٦» : ان أوس بن ثابت الأنصاري توفى وترك امراة يقال لها ام كحة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه، يقال لهما سويد وعرفطة فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته شيئا ولا بناته، وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وان كان ذكرا، انما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون: لا يعطى الا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة، فجاءت ام كحة إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله ان أوس بن ثابت مات وترك على بنات: وانا امراة، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنا، وهو عند سويد وعرفطة لم يعطيانى ولا بناته من المال شيئا، وهن فى حجري، ولا يطعمانى ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا، فدعاهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالا: يا رَسُول الله ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكى عدوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفوا حتى انظر ما يحدث الله لي فيهن، فانصرفوا، فانزل الله تعالى هذه الآية: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ ... الآية «٧» .

وطبيعي ان تكثر الآيات التي تتحدث عن شئون الاسرة فانها قوام المجتمع ومرتبطة بأحوال الناس فى غدوهم ورواحهم وصباحهم ومسائهم.

وما اكثر المشاكل التي تنشأ فى احوال الزواج، والعشرة الزوجية، والطلاق وما الى ذلك من النفقات، والظهار، والإيلاء، والخلع، واللعان، وغيرها.

وقد حفلت كتب التفسير ببيان هذه الأحكام وذكرت اسباب نزولها كما عنى بها مقاتل فى تفسيره، وهي بالطبع تناولت شخصا او اشخاصا فيجب ان يعرفهم المفسر ليكشف الإبهام فى الآية، ويحيط بالواقع الذي نزلت فيه الآية او الآيات.

وسيظل سياق الآيات مع هذا عاما يشمل الاحياء فى كل زمان ومكان كما قال علماء الأصول، فان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

لقد قال سبحانه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ «٨» .

«فلا بد للمفسر من معرفة سبب نزول هذه الآية توضيحا لمبهماتها، حتى نعرف اسم المراة واسم البعل» «٩» .


(٦) تفسير مقاتل بن سليمان، مخطوطة احمد الثالث، ج ١ ورقة ٧٠ ب، وانظر تحقيقي له:
١/ ٣٥٨. ٣٥٩. كما ورد ذلك فى اسباب النزول للواحدي: ٨٢، وفى لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: ٥٨.
(٧) سورة النساء: ٧.
(٨) سورة النساء: ١٢٨.
(٩) تفسير القرآن الكريم التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>