والرواية الثانية. رواية البخاري عن ابن عمر ان الآية نزلت فى إتيان المراة فى دبرها.
الرواية الاولى هي التي نعتمد عليها فى اسباب النزول لما يأتي:
١- لأنها صرحت بذكر السبب، اما الثانية فلم تصرح بل قال ابن عمر أنزلت (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... ) فى إتيان النساء فى أدبارهن.
٢- الاولى اتفق عليها البخاري ومسلم وابو داود والترمذي واحمد والحاكم والثانية تفرد بها البخاري والطبراني فى الأوسط «٥٢» .
وقد ذكر علماء الحديث ان أعلى درجات الحديث ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، فالاولى اولى لاتفاق البخاري ومسلم على روايتها، بينما الثانية تفرد بها البخاري.
٣- الرواية الاولى موافقة لسياق الآية ولضمونها وفحواها، فان معنى قوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ترشيح لان المراد إتيان المراة فى مكان الحرث، وقوله بعد ذلك وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ قيل هو تقديم الولد الصغير يموت قبل أبيه. وهذا ايضا تقوية، لان المراد بقوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اى كيف شئتم وعلى اى حالة رغبتم ما دام فى مكان الحرث.
٤- يبدو ان ابن عمر لم يبلغه حديث جابر الذي صرح بان سبب نزول الآية ادعاء اليهود تحريم جماع الزوجة الا مستلقية، ولهذا استنبط ان الآية تبيح إتيان المراة فى دبرها وقد وهم ابن عمر فى ذلك.
اخرج ابو داود والحاكم عن ابن عباس قال: ان ابن عمر- والله يغفر له- وهم.
انما كان اهل هذا الحي من الأنصار وهم اهل وثن مع هذا الحي من يهود، وهم اهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم فى العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من امر اهل الكتاب انهم لا يأتون النساء الا على حرف، وذلك استر ما تكون المراة، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك.
وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امراة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت انما كنا نؤتى على حرف، فسرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانزل الله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اى مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعنى بذلك موضع الولد.
وإزاء ما تقدم نعتمد فى اسباب النزول هنا على رواية الشيخين، دون رواية البخاري وحده.
(٥٢) لباب النقول، للسيوطي: ٣٦.