للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستهان الشيخ محمد عبده بأسباب النزول «٧٥» ، ولم يعول عليها كثيرا، بسبب اشتمالها على الصحيح والعليل، واختراع بعض الناس أسبابا لنزول الآيات.

والحق انه لا طريق لمعرفة اسباب النزول الا النقل عن الصحابة الذين عاصروا الوحى والنزول ووقفوا على الأحوال والملابسات التي أحاطت بنزول الآيات، وسمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه غيرهم، فعنهم وحدهم يؤخذ هذا العلم.

والى هذا أشار الواحدي بقوله: (ولا يحل القول فى اسباب نزول الكتاب الا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وجدوا فى الطلاب) «٧٦» .

ان اسباب النزول آثار واردة وأحاديث مأثورة ينطبق عليها ما ذكره علماء الحديث ونقدته.

فلا تقبل جملة ولا ترفض جملة، فما كان صحيحا قبلناه، وما كان موضوعا رفضناه.

ويقول الواحدي ايضا: (لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها) .

(وان التعبير عن سبب النزول بالقصة ليوحى بالحكمة البالغة فى معرفة الأسباب التي دعت الى تنزيل الوحى، ويجعل آيات القرآن تتلى فى كل زمان ومكان بشغف وولوع، وتطرد السآمة عن جميع القارئين بما توالى عرضه من حكايات أمثالهم، وأقاصيص أسلافهم، كأنها حكاياتهم هم إذ يرتلون آيات الله، او أقاصيصهم هم ساعة يطربون لوحى السماء) «٧٧» .

من اجل هذا كان جهل الناس بأسباب النزول كثيرا مما يوقعهم فى اللبس والإبهام فيفهمون الآيات على غير وجهها ولا يصيبون الحكمة الالهية من تنزيلها، كما حدث لمروان بن الحكم حين توهم ان قوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ «٧٨» ينطبق عليه، فقال لبوابه: اذهب يا رافع الى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرج بما اوتى وأحب ان يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون!


فمعنى ان ارتبتم ان أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا حكمهن. اهـ الإتقان:
١/ ٣٠. ومثل ذلك قد ورد فى تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء ٢ ورقة ٢٠٠ اوانظر تحقيقي له: ٤/ ٣٦٤- ٣٦٥.
(٧٥) تفسير المنار: ٢/ ٥٧- ٥٨، ٢٢٥- ٢٢٦.
(٧٦) اسباب النزول للواحدي: ٤.
(٧٧) مباحث فى علوم القرآن، دكتور صبحى الصالح: ١٣٠.
(٧٨) سورة آل عمران: ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>