(٥٠) لكن للقائلين بالنسخ ان يقولوا: ان الأمر للوجوب أصلا، ولا صارف له هنا عن حقيقته، وان الآية الثانية بدأت بقوله عز وجل (الآن خفف الله عنكم) وهذا يشعر بان الحكم قد تغير، إذ لا معنى للتخفيف برفع ندب شيء كان مندوبا، لأنه بطبيعة كونه ليس ملزما، فلا يحتاج الى التخفيف ما داموا لا يؤاخذون على تركه. ويقول الأستاذ الخضرى (اصول الفقه: ٢٨١) معلقا على القول بنسخ الآية المذكورة: (وربما يقال ان الرخص مع العزائم كذلك، ولم يقل احد ان الرخصة تنسخ العزيمة، فآية التيمم لم تنسخ آية الوضوء. مع ان آية الوضوء توجبه على كل حال، وآية التيمم توجب رفع الاول وإيجاب شيء آخر، فكذلك هنا) . بينما ينقض ذلك الدكتور مصطفى زيد بقوله: (النسخ فى القرآن الكريم: ٢/ ٩٢٤ فقرة ١٢٤٢) : والحكم الذي شرع بالآية الثانية هنا- وهو التخفيف بإيجاب الثبات على كل مسلم امام اثنين بدلا من عشرة- لم يشرع على انه رخصة لا يجوز العمل بها الا عند تعذر العمل بالعزيمة، التي هي الحكم الاول، وانما شرع ليحل محل الحكم الاول فى كل حال. فلا يقال ان المسلمين فى حال القوة يجب عليهم الثبات لعشرة أمثالهم من الكفار، لان هذا الحكم قد نسخ فلم يعد محل تكليف. ولا يعتبر المؤمنون مخالفين إذا فروا فى حال قوتهم امام ثلاثة أمثال او اكثر، لأنه لم يعد الثبات واجبا عليهم- بعد النسخ- امام اكثر من مثليهم) ا. هـ. (٥١) قال تعالى فى أول السورة: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا سورة المزمل: ١- ٣. ويذكر مقاتل: ان الله فرض على الرسول والمسلمين قيام مقدار من الليل- نصفه او انقص من النصف او اكثر- وذلك قبل ان تفرض الصلوات الخمس. فكانوا لا يصلون الا بالليل، ومكنوا على ذلك سنة، فشق عليهم القيام. فانزل الله الرخصة فى قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى