للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمذهب الثاني مذهب الخلف، ويسمى مذهب المؤولة (بتشديد الواو وكسرها) . وهم فريقان:

فريق يؤولها بصفات سمعية غير معلومة على التعيين ثابتة له تعالى، زيادة على صفاته المعلومة لنا بالتعيين. وينسب هذا الى ابى الحسن الأشعري.

وفريق يؤولها بصفات او بمعان نعلمها على التعيين، فيحمل اللفظ الذي استحال ظاهره من هذه المتشابهات على معنى يسوغ لغة، ويليق بالله عقلا وشرعا، وينسب هذا الرأي الى ابن برهان «١٥» ، وجماعة من المتأخرين.

والمذهب الثالث مذهب المتوسطين، وقد نقل السيوطي هذا المذهب فقال:

(وتوسط ابن دقيق العيد فقال: إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم ينكر، او بعيدا توقفنا عنه، وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به، مع التنزيه. وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف، كما فى قوله تعالى: يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ «١٦» فنحمله على حق الله وما يجب له) «١٧» .

(ومنشأ الخلاف بين السلف والخلف هو انه: هل يجوز ان يكون فى القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعند المفوضة يجوز، ولهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله. وعند المؤولة لا يجوز ذلك بل الراسخون يعلمونه) «١٨» .

وقد سار مقاتل فى تفسيره على انه لا متشابه فى القرآن تمتنع معرفته الا اخبار الغيب، كصفة الآخرة وأحوالها، فمنهجه فى ذلك موافق لراى ابن قتيبة (فى ان الله لم ينزل شيئا من القرآن الا لينفع به عباده، ويدل به على معنى اراده) «١٩» .


(١٥) هو ابو الفتح احمد بن على بن برهان الشافعي غلب عليه علم الأصول وكان يضرب به المثل فى حل الاشكال، وهو صاحب البسيط والوسيط والوجيز فى الفقه والأصول توفى سنة ٥٢٠ هـ.
انظر: وفيات الأعيان: ١/ ٢٩، وشذرات الذهب: ٤/ ٦١.
(١٦) سورة الزمر: ٥٦.
(١٧) الإتقان: ٢/ ٦.
(١٨) ورد هذا فى البرهان: ٢/ ٧٩- ٨٠ منسوبا الى ابن برهان كما ورد فى الإتقان: ٢/ ٦ باختصار. [.....]
(١٩) ابن قتيبة فى مشكل القرآن، تحقيق السيد احمد صقر: ٧٢، ويستمر ابن قتيبة فى دعم رأيه فيقول: وهل يجوز لأحد ان يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف المتشابه؟ وإذا جاز ان يعرفه مع قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ جاز ان يعرفه الربانيون من صحابته،
فقد علم عليا التفسير، ودعا لابن عباس فقال: اللهم علمه التأويل وفقهه فى الدين.
وبعد، فانا لم نر المفسرين توقفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه الا الله، بل أمروه كله على التفسير، حتى فسروا الحروف المقطعة فى أوائل السور. (تاويل مشكل القرآن:
٧٣) .
وقال ابن قتيبة، ان (يقولون) فى معنى الحال، كأنه قال: والراسخون فى العلم قائلين آمنا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>