المؤمنين الكائنين بين أظهرهم، وقولُه تعالى:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي: بعد خروج المؤمنين الذين كان استغفارهم سببًا لدفع العذاب الدنيوي، فبعد خروجهم عذب اللَّه أهل مكة في الدنيا بأن سلط عليهم رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى فتح مكة.
ويدل لكونه تعالى يدفع العذاب الدنيوي عن الكفار بسبب وجود المسلمين بين أظهرهم ما وقع في صلح الحديبية، كما بينه تعالى بقوله: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥)} [الفتح/ ٢٥].
فقوله:{لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو تزيل الكفار من المسلمين لعذبنا الكفار بتسليط المسلمين عليهم، ولكنا رفعنا عن الكفار هذا العذاب الدنيوى لعدم تميزهم من المؤمنين، كما بينه بقوله:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ. .} الآية.
ونقل ابن جرير هذا القول عن ابن عباس والضحاك وأبي مالك وابن أبزى.
وحاصل هذا القول: أن كفار مكة لما قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً. . .} الآية، أنزل اللَّه قوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}، ثم لما هاجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقيت طائفة من المسلمين بمكة يستغفرون اللَّه ويعبدونه، فأنزل اللَّه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)}، فلما خرجت بقية المسلمين من مكة أنزل اللَّه قوله تعالى:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ}