أنهم لا دليل لهم على هذه الوحدة وأن ألفاظ حججهم ألفاظ فيها إجمال واشتراك كما قد بيَّناه في غير هذا الموضع بل تبين بالبرهان أن هذه الوحدة يمتنع أن يوصف بها موجود وأن وصف المبدع بها يقتضي تعطيله ولهذا آل بهم الأمر إلى القول بأن الوجود كله واحد ثم إن العالم فيه كثرة مشهودة فإن كان الصادر عن الواحد واحداً من كل وجه فلا يصدر عنه إلا واحد ويلزمهم نفي الكثرة المشهودة في الوجود وهو خلاف المشاهدة وإن كان فيه ما يسمونه كثرة وتعدداً وتركيباً ونحو ذلك فقد صدر عن الواحد أكثر من واحد فهم بين أمرين إما إثبات الواحد ونفي جميع الصادر الثاني والثالث والرابع والخامس وإما إثبات الكثرة في الصادر الأول ثم في المبدع يوضح هذا أن الفلك الثامن مكوكب كثير الكواكب والتاسع فوقه أطلس فمن أين جاءت هذه الكثرة العظيمة وإذا قالوا إنه صدر عنه عقل ثم عن العقل عقل ونفس وفلك إلى العقل العاشر ثم صدر عنه ما تحت فلك القمر ففي هذا الكلام من التناقض والهذيان ما لا يروج على عقول الصبيان وقد كنت في أوائل معرفتي بأقوالهم بعد بلوغي بقريب وعندي من الرغبة في طلب العلم وتحقيق هذه الأمور ما أوجب أني كنت أرى في منامي ابن سيناء وأنا أناظره في هذا المقام