فمعناهما قريب من القول دالموجب وليس منه، إذ ليس فيهما حمل صفة وقعت في كلام الغير على معنى آخر، وإنما فيهما ذكر صفة ظُنَّتْ على وجهٍ فإذا هي على خلافه، قال بعض علماء البلاغة: ويمكن جعل مثلهما ضربًا ثالثًا.
والثاني وهو الذي لم يكن متعلقه اصطلاحيًّا نحو قوله:
لقد بهتوا لما رأوني شاحبًا ... فقالوا به عين فقلت وعارض
أرادوا "بالعين" إصابة العائن، فحمله هو على إصابة عين المعشوق بذكر ملائمه الذي هو العارض في الأسنان التي هي كالبرد، فكأنه قال: صدقتهم بأن بي عينًا لكن بي عيناها وعارضها لا عين العائن.
ووجه كون هذا الضرب من القول بالموجب ظاهر؛ لأنه اعترف بما ذكر المتكلم، ثم حمله على غير مراده.
وحملُ كلام المتكلم على غير مراده. تارةً يكون بإعادة المحمول الذي هو المسند كقوله:"قال ثقَّلْتَ كاهلي بالأيادي" بعد قوله: "قلت ثقَّلْتُ"، وكقول بعضهم:
جاء أهلي لما رأوني عليلًا ... بحكيمٍ لشرح دائي يسعف
قال هذا به إصابة عين قلت ... عينُ الحبيب إن كنت تعرف
وتارة يكون بغير إعادة المحمول أعني المسند كقوله:"فقلت وعارض"، وكقوله "وأبرمت قال: حبل وداد"، وكبيتي ابن دويدة