الأول: أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} نص في محل القضية لإبانة الحكم؛ لأن السورة "سورة النساء" والمحل محل ذكر
المحرمات منهن، حيث قال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ}[النساء/ ٢٣] إلى أن قال: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}، وأما قوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون/ ٦، المعارج/ ٣٠] فمساق الآية في ذكر صفات المتقين، فذكر منها حفظ الفرج، ولمَّا ذكره منها ذكر أنه لا يلزم في الزوجة والسرية. وقد تقرر عند الأصوليين أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها لا من مظانها.
الوجه الثاني: أن {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون/ ٦، المعارج/ ٣٠] ليس باقيًا على عمومه، بل هو عام مخصوص بإجماع العلماء؛ لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين إجماعًا؛ لأن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصصه عموم {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} بلا خلاف، وكذلك موطوءة الأب لا تحل بملك اليمين إجماعًا؛ لأن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصصه عموم {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/ ٢٢] بإجماع العلماء.
والعام الذي لم يدخله تخصيص مقدم على العام الذي دخله تخصيص عند المحققين من الأصوليين. وإن قال طائفة من الأصوليين بترجيح العام الذي دخله تخصيص، كما أشار لذلك الخلاف في "مراقي السعود" في المرجحات بقوله:
تقديم ما خُصَّ على ما لم يُخَصّ ... وعكسه كلٌّ أتى عليه نص