الوجه الرابع: أنا لو سلمنا أن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون/ ٦، المعارج/ ٣٠] يقاوم عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}[النساء/ ٢٣] كما روي عن عثمان رضي اللَّه عنه، فالأصل في الفروج التحريم حتى يدل دليل جازم سالم من المعارض على الإباحة، إذ لا يجوز الإقدام على فرج مشكوك في حلِّيته كما هو ظاهر.
فهذه الأوجه الأربعة التي بيّنا، يظهر بها رد استدلال الظاهرية بهذه الآية الكريمة على جمع الأختين في الوطء بملك اليمين.
وأما الجواب عن استدلالهم بالآية الثانية التي هي {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء/ ٢٤] فهو ما حققه بعض المتأخرين من الأصوليين، كابن الحاجب والآمدي والغزالي، وهو أن الاستثناء الآتي بعد جمل متعاطفة الحكم فيه الوقف، وألا يحكم برجوعه إلى الجميع ولا إلى الأخيرة فقط إلا بدليل منفصل، فالاستثناء بمجرده ليس بنص في الرجوع إلى الجميع، ولا إلى الأخيرة.
وإنما قلنا بأن هذا المذهب هو التحقيق لشهادة القرآن العظيم له في آيات كثيرة؛ فمن ذلك قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}[النساء/ ٩٢] فالاستثناء راجع للدية لسقوطها بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولًا واحدا؛ لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ.
ومن ذلك قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور/ ٥٤] فالاستثناء لا يرجع لقوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}؛ لأن القاذف إذا تاب لا تُسْقِطُ عنه توبتُه