من الحق، هو محمود فيه، بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه، وترك القول الذي ترجحت حجته.
وأما الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة، واتباع هوى، فهذا مذموم. وإذا كان الإمام المقلد قد سمع الحديث وتركه، لا سيما إن كان قد رواه أيضاً، فمثل هذا لا يكون عذراً في ترك النص، فقد بينا فيما كتبناه في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" نحو عشرين عذراً للأئمة، في ترك العمل ببعض الحديث، وبينا أنهم يعذرون في الترك لتلك الأعذار.
وأما نحن فلسنا معذورين في تركنا لهذا القول؛ فمن ترك الحديث، لاعتقاده أن ظاهر القرآن يخالفه، أو القياس، أو عمل بعض أهل الأمصار، وقد تبين لآخر أن ظاهر القرآن لا يخالفه، وأن نص الحديث الصحيح مقدم على الظواهر، ومقدم على القياس والعمل، لم يكن عذر ذلك الرجل عذراً في حقه.
فإن ظهور المدارك الشرعية للأذهان، وخفاءها عنها أمر لا ينضبط طرفاه، لا سيما إذا كان التارك للحديث معتقداً أنه قد ترك العمل به المهاجرون والأنصار من أهل المدينة المنورة النبوية، الذين يقال إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادهم أنه منسوخ، أو له معارض راجح، وقد بلغ مَن بَعدَه أن المهاجرين والأنصار لم يتركوه، بل عمل به طائفة منهم،