قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وهذه كلمات من كلام أبي العباس ابن تيمية، له على سورة الكوثر، لخصتها من جملة كلام له:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[سورة الكوثر آية: ١-٣] ما أجلها وأغزر فوائدها على اختصارها، وحقيقة معناها تعلم من آخرها.
فإنه سبحانه بتر شانيء رسوله صلى الله عليه وسلم من كل خير; فيبتر ذكره وأهله وماله، فيخسر ذلك في الدنيا والآخرة؛ ويبتر حياته، فلا يتزود فيها عملا صالحا لمعاده؛ ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهله لمحبته والإيمان به؛ ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعته؛ ويبتره من الأعمال، فلا يذوق لها طعما، وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها.
وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول، ورده لأجل هواه أو شيخه، أو إمامه أو أميره أو كبيره، كمن شنأ آيات الصفات وأحاديثها; وتأولها على غير مراد الله ورسوله، أو حملها على ما يوافق مذهبه، أو تمنى أن لا تكون نزلت. ومن أقوى علامات شناءتها: أنه إذا سمعها حين يستدل بها أهل السنة على ما دلت عليه من الحق، اشمأز ونفر، فأي شانئ للرسول أعظم من هذا؟ !
وكذلك أهل السماع الذين يزدحمون على سماع الغناء والدفوف، فإذا قرأ عليهم قارئ عشرا، استطالوه واستثقلوه؛ وقس على هذا سائر الطوائف في هذا الباب.