إلى أن أبا حنيفة أولى بالاتباع مما اتفق الجماعة عليه، فإني أخاف على هذا من الله عز وجل بأنه اتبع في ذلك هواه، وأنه ليس من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[سورة الزمر آية: ١٨] .
وكذلك إن كان القاضي "مالكياً" فاختصم إليه اثنان في سؤر الكلب، فقضى بطهارته مع علمه بأن الفقهاء كلهم قضوا بنجاسته، فعدل إلى مذهبه؛ وكذلك إن كان القاضي "شافعياً" فاختصم إليه اثنان في متروك التسمية عمداً، فقال أحدهما: هذا منعني بيع شاة مذكاة، فقال الآخر: إنما منعته من بيع الميتة، فقضى عليه بمذهبه، وهو يعلم أن الأئمة الثلاثة على خلافه.
وكذلك: إن كان القاضي "حنبليا" فاختصم إليه اثنان، فقال أحدهما: لي عليه مال، فقال الآخر: كان له علي مال فقضيته، فقضى عليه بالبراءة من إقراره، مع علمه بأن الأئمة الثلاثة على خلافه; فإن هذا وأمثاله، مما توخي اتباع الأكثرين فيه، أقرب عندي إلى الإخلاص، وأرجح في العمل؛ وبمقتضى هذا، فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا صحيحة، وأنهم قد سدوا ثغراً من ثغور الإسلام، سده فرض كفاية.
ولو أهملت هذا القول ولم أذكره، ومشيت على الطريق التي يمشي عليها الفقهاء، الذين يذكر كل منهم في كتاب إن