أراد خصوص أهل السنة والفتوى، فهو لا يعرف لما خرج من بين شفتيه حقيقة، ولا معنى; فإن عبارته صريحة في العموم، والحكم به في مقام البحث والإفتاء مسطور معلوم.
وأهل العلم يبحثون مع المتكلم، ويحكمون بما دل عليه كلامه، من النص والعموم الظاهر، ولا بحث فيما انطوت عليه الضمائر، وأخفته السرائر؛ بل ذلك أمره إلى الله، كما يعرفه ذوو العلم والبصائر; وفي الحديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " ١؛ وهذا الوجه كاف في إبطال عبارته وردها، لأنه أطلق مدح ما أطلق الله ورسوله ذمه وعيبه، وفي هذا من الخروج عما دلت عليه النصوص، ما لا يخفى على أهل العلم والفتوى.
ويقال أيضاً: لو سلمنا أنه أراد خلاف أهل العلم والفتوى، لا أهل البدع والأهواء، فهو ضال مخطئ في فتواه، لأن ما تقدم من النصوص عام لكل اختلاف وقع في الأصول والفروع؛ والفقيه يعرف بفقهه وفطنته، ما قرره أهل العلم الأصوليون وغيرهم، من اعتبار العمومات القرآنية، والألفاظ النبوية؛ وبعضهم جزم أن العموم نص في الحكم، لكنهم يتكلمون ويبحثون في المخصصات.
وقد أجمعوا على أن لا تخصيص لكتاب الله وسنة رسوله بقول أحد، كائناً من كان، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وعندهم من الأحكام الثابتة في الأصول والفروع بعمومات النصوص، ما
١ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣٤١) , وأحمد (٣/٣٠٠, ٣/٣٣٢, ٣/٣٩٤) .