وقد تكلم الديبع والسيوطي، على هذا الحديث بما يكفي ويشفي، وكشفوا عن وجه الصواب، وكذا السخاوي في المقاصد الحسنة والديبع في تمييز الطيب من الخبيث فيما يجري على ألسنة العوام من الحديث; بل صرح جمع من صيارفة الفن، بأنه لا أصل له؛ وأبو سليمان الخطابي لم يدع الصحة، لكنه جرى على ألسنة قوم عزب عنهم ضبط الحقائق، بل أورد الديبع في مختصر المقاصد، ما حاصله: خرج عبد الله بن أحمد، من حديث النعمان بن بشير مرفوعاً، بإسناد لا بأس به:"الجماعة رحمة، والفرقة عذاب " ١، أورده مستشهداً به على رد الأول؛ فاعرف هذا، ولا تلتفت إلى من لا عناية له ولا دراية بهذه الصنعة.
وقال شيخنا، رحمه الله، - في أثناء كلام له -: وأما قولهم: واختلافهم رحمة، فهذا باطل؛ بل الرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب، قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}[سورة هود آية: ١١٨-١١٩] . لما سمع عمر أن ابن مسعود وأُبَيّاً اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد، صعد المنبر وقال:"اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفا، فعن أي فتياكم يصدر المسلمون؟ لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي هذا، إلا فعلت وفعلت "؛ لكن قد روي عن بعض التابعين أنه قال:"ما أحسب اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للناس، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة "،ومراده غير ما نحن فيه، ومع هذا فهو قول مستدرك، لأن الصحابة بأنفسهم ذكروا أن اختلافهم عقوبة وفتنة.