وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله: قال ابن الجزري، رحمه الله تعالى: من علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل، وأنه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت المرتبة في دار الجزاء، انتهب الزمان ولم يضيع لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها؛ ومن وفق لهذا، فليبتكر زمانه بالعلم، وليصابر كل محنة وفقر، إلى أن يحصل له ما يريد، وليكن مخلصاً في طلب العلم، عاملاً به، حافظاً له. فأما أن يفوته الإخلاص، فذلك تضييع زمان وخسران الجزاء، وأما أن يفوته العمل به، فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له.
وأما جمعه من غير حفظه، فإن العلم ما كان في الصدور لا في القمطر. ومتى أخلص في طلبه دله على الله عز وجل، فليبعد عن مخالطة الخلق مهما أمكن، خصوصاً العوام; وليصن نفسه عن المشي في الأسواق، فربما وقع البصر على فتنة، وليجتهد في مكان لا يسمع فيه أصوات الناس. ومن علم أنه مار إلى الله عز وجل وإلى العيش معه وعنده، وأن الدنيا أيام سفر، صبر على تفث السفر ونصبه، وإن الراحة لا تنال بالراحة، فمن زرع حصد ومن جد وجد.
خاضوا في أمر الهوى في فنون ... فزادهم في اسم هواهم حرف نون