وقد ترجم البخاري، رحمه الله في الصحيح على هذا الحديث: باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة، فصلاة الإمام ومن بقي جائزة. قلت: ولا يخفى على منصف أن هذا الاستدلال أقوى من الاستدلال أنها لا تنعقد إلا بأربعين، بأن أسعد بن زرارة جمع بالصحابة وهم أربعون رجلاً، لكن تعقب هذا الاستدلال بأنه يحتمل أنه عليه السلام تمادى حتى عادوا، أو عاد من تجزئ بهم، أو أنهم سمعوا أركان الخطبة، أو أنه أتمها ظهراً. قلت: ولا يخفى ضعف هذا التعقب، لأنه دعوى بلا برهان، إذ لم ينقل أنهم عادوا وهو في الخطبة، ولا أنه عاد من تجزئ بهم، ولا أنهم سمعوا أركان الخطبة، والأصل عدم العدد; ومثل هذه الاحتمالات لا تدفع بها الأحاديث الصحيحة، ولو فتح هذا الباب لما بقي لأحد حجة إلا القليل، وسلم لكم أنهم عادوا، لكن العدد المعتبر في الابتداء معتبر في الدوام عندكم، وقد عدم هنا في الدوام. وأما كونه أتمها ظهراً، فمن أبطل الباطل، لأنه لا يخلو إما أن يكون الانفضاض وقع وهو في الخطبة، أو وقع وهو في الصلاة فأتمها ظهراً بعد أن نوى جمعة، وعلى كلا التقديرين، فهذا الاحتمال باطل; أما على الأول فلأنه لو صلاها ظهراً لكان هذا