ومن هذا الباب: ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن ذبائح الجن ". قال الزمخشري: كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوها، أو استخرجوا عيناً، ذبحوا ذبيحة، خوفاً أن تصيبهم الجن، فأضيفت إليهم الذبائح لذلك. ثم من الناس من يذبح عند المريض لهذا المقصد الخبيث، ويظهر للناس أنه إنما قصد التقرب إلى الله، والصدقة على الفقراء والمساكين بلحم ما يذبحه، وقد اطلع الله منه على سوء القصد، وأنه إنما قصد بذبيحته التقرب إلى الجن، ولكن منعه من بيان مقصده الخوف من المسلمين؛ وهذا نفاق وزندقة ومحادة لله ورسوله، كإخوانه الموصوفين في قوله:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية [سورة البقرة آية: ٩] . وإذا عرفت أن الذبح عند المريض على هذا الوصف الذي ذكرنا من الشرك المحرم، فاعلم: أن من الناس من يذبح عند المريض لغير مقصد شركي، وإنما يقصد بالذبح التقرب إلى الله بالذبيحة والصدقة بلحمها، ولا يخفى أن قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك تقتضي المنع من فعل ذلك والنهي عنه، لأن ذلك ذريعة لفعل الشرك، لما قد عرفت أن كثيراً من الناس يذبح عند المريض لقصد التقرب إلى الجن، ولكن يخفي قصده خوفاً من العقوبة، وبعضهم يبين قصده لإخوانه من شياطين الإنس.