للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرك; ولا ريب أن دعاء الموتى وسؤالهم جلب الفوائد وكشف الشدائد، من الشرك الأكبر الذي كفّر الله به المشركين، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية: ١٨] ؛ والآيات في هذا المعنى كثيرة شهيرة.

إذا تقرر هذا، فنحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الأكبر، وإنما شرع لنا عند زيارة القبور تذكر الآخرة، والإحسان إلى الميت بالدعاء له، والترحم عليه، والاستغفار له، كما في صحيح مسلم عن بريدة، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية " ١. وعن عائشة، رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه " ٢، رواه مسلم؛ وإذا كنا على جنازته ندعو له، لا ندعوه، ونشفع له، لا نستشفع به، فبعد الدفن أولى وأحرى؛ فبدل أهل الشرك قولاً غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه، والشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها الرسول الله صلى الله عليه وسلم


١ مسلم: الجنائز (٩٧٥) , والنسائي: الجنائز (٢٠٤٠) , وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (١٥٤٧) , وأحمد (٥/٣٥٣, ٥/٣٥٩) .
٢ مسلم: الجنائز (٩٤٧) , والترمذي: الجنائز (١٠٢٩) , والنسائي: الجنائز (١٩٩١) , وأحمد (٣/٢٦٦, ٦/٣٢, ٦/٤٠, ٦/٩٧, ٦/٢٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>