الفهم، واتباع الحق، ولو خالفك فيه كبار أئمتكم، لأني اجتمعت بك من نحو عشرين، وتذاكرت أنا وإياك في شيء من التفسير والحديث، وأخرجت لي كراريس من البخاري، كتبتها، ونقلت على هوامشها من الشروح، وقلت في مسألة الإيمان، التي ذكر البخاري في أول الصحيح: هذا هو الحق الذي أدين الله به، فأعجبني هذا الكلام، لأنه خلاف مذهب أئمتكم المتكلمين.
وذاكرتني أيضا في بعض المسائل، فكنت أحكي لمن يتعلم مني ما من الله به عليك، من حسن الفهم، ومحبة الله والدار الآخرة; فلأجل هذا لم أظن فيك المسارعة في هذا الأمر، لأن الذين قاموا فيه مخطئون على كل تقدير، لأن الحق إن كان مع خصمهم فواضح; وإن كان معهم: فينبغي للداعي إلى الله، أن يدعو بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقد أمر الله رسوليه، موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.
وينبغي للقاضي - أعزه الله بطاعته - لما ابتلاه الله بهذا المنصب أن يتأدب بالآداب التي ذكرها الله في كتابه الذي أنزل، ليبين للناس ما اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يوقنون; فمن ذلك: لا يستخفنه الذين لا يوقنون; ويتثبت عند سعايات الفساق والمنافقين، ولا يعجل. وقد وصف الله المنافقين في كتابه بأوصافهم، وذكر شعب النفاق لتجتنب، ويجتنب أهلها أيضا; فوصفهم بالفصاحة، والبيان، وحسن اللسان، بل