فقال: أيستقيم هذا؟! فقال: بل فعله علي; فأثبت القاضي هذا رواية عن أحمد، لكنه حملها على الدعوى على الغائب والصبي، وهذا لا يصح، لأن علياً إنما حلف المدعي مع بينته على الحاضر معه، وهؤلاء يقولون: اليمين لتقوية الدعوى، إذا ضعفت باسترابة الشهود، وكاليمين مع الشاهد الواحد.
وكان بعض المتقدمين: يحلف الشهود إذا استرابهم أيضاً، ومنهم سوار العنبري قاضي البصرة، وجوز ذلك القاضي أبو يعلى من أصحابنا لوالي المظالم دون القضاء. وقد قال ابن عباس في المرأة الشاهدة على الرضاع:"إنها تستحلف"، وأخذ به الإمام. وقد دل القرآن على استحلاف الشهود، عند الارتياب بشهادتهم بالوصية في السفر، في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} الآية [سورة المائدة آية: ١٠٦] . انتهى.
إذا عرفت ذلك، فالذي يتوجه: أن البينة الكاملة العادلة، التي لا يستريب الحاكم في شهادتها، لا يحلف المدعي معها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" شاهداك أو يمينه " ١، فدل على الاكتفاء بالشاهدين. وأما إذا استراب الحاكم الشهود وخصوصاً في هذه الأزمان، فهنا يتوجه القول بتحليف المدعي، كما فعله علي رضي الله عنه وغيره، ويتوجه أيضاً: تحليف الشهود مع الريبة.