وفي بعض الآثار:"أن الله أوحى إلى جبرائيل، أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب إن فيهم فلان العابد، قال: به فابدأ، إنه لم يتمعر وجهه فيّ قط". وذكر ابن عبد البر:"أن الله بعث ملكين إلى قرية ليدمراها، فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد، فقالا: يا رب، إن فيها عبدك فلاناً يصلي، فقال الله عز وجل: دمراها، ودمراه معهم، فإنه ما تمعر وجهه فيّ قط". انتهى.
ومن له علم بأحوال القلوب، وما يوجبه الإيمان ويقتضيه، من الغضب لله، والغيرة لحرماته وتعظيم أمره ونهيه، يعرف من تفاصيل ذلك فوق ما ذكرنا، ولو لم يكن إلا مشابهة المغضوب عليهم والضالين، في الأنس بأهل المعاصي، ومواكلتهم، ومشاربتهم، لكفى بذلك عيباً، والله الموفق والهادي، لا إله غيره، والسلام.
وقال أيضا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: وأما الفرق بين المداراة والمداهنة: فالمداهنة: ترك ما يجب لله من الغيرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتغافل عن ذلك، لغرض دنيوي، وهوى نفساني، كما في حديث:" إن من كان قبلكم كانوا إذا فعلت فيهم الخطيئة، أنكروها ظاهراً، ثم أصبحوا من الغد يجالسون أهلها، ويواكلونهم ويشاربونهم كأن لم يفعلوا شيئا بالأمس " ١. فالاستئناس والمعاشرة، مع القدرة على الإنكار، هي المداهنة.
١ صحيح البخاري: كتاب الفتن (٧١٠٨) , وصحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢) وكتاب الفضائل (١٣٣٧) وكتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٧٩) , وسنن ابن ماجة: كتاب الفرائض (٢٧٤٦) , ومسند أحمد (١/٣٠, ٢/٤٠, ٢/١١٠, ٥/٣٤٨) , وسنن الدارمي: كتاب السير (٢٥١٨) .