من غير شك في الدين، وفي تزيين دين المشركين، ولكن محبة الأهل والمال والوطن، فلما خرجوا إلى بدر، خرجوا مع المشركين كارهين، فقتل بعضهم بالرمي، والرامي لا يعرفه; فلما سمع الصحابة من القتلى فلان وفلان شق عليهم، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}[سورة النساء آية:٩٧-٩٩] . فمن تأمل قصتهم، وتأمل قول الصحابة: قتلنا إخواننا، لأنه لم يبلغهم عنهم كلام في الدين، أو كلام في تزيين دين المشركين، ولو بلغهم شيء من ذلك لم يقولوا: قتلنا إخواننا; فإن الله قد بين لهم وهم بمكة قبل الهجرة، أن ذلك كفر بعد الإيمان، بقوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}[سورة النحل آية: ١٠٦] . وأبلغ من هذا: ما تقدم من كلام الله فيهم، فإن الملائكة تقول:{فِيمَ كُنْتُمْ} ، ولم يقولوا: كيف تصديقكم؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}[سورة النساء آية: ٩٧] ، ولم يقولوا: كذبتم، مثل ما يقول الله والملائكة للمجاهد الذي يقول: جاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل قاتلتَ ليقال جريء; وكذلك يقولون للعالم والمتصدق: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم، وتصدقت ليقال جواد.