للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النساء آية: ٩٧] .

ولا يشك عاقل أن أهل البلدان الذين خرجوا عن المسلمين، وصاروا مع المشركين، وفي فريقهم وجماعتهم، أعظم ممن ترك الهجرة مشحة بوطنه وأهله وماله؛ هذا مع أن الآية نزلت في أناس من أهل مكة، أسلموا واحتبسوا عن الهجرة، فلما خرج المشركون إلى بدر، أكرهوهم على الخروج معهم، فخرجوا خائفين، فقتلهم المسلمون يوم بدر، فلما علموا بقتلهم تأسفوا، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله فيهم هذه الآية. فكيف بأهل البلدان، الذين كانوا على الإسلام، فخلعوا ربقته من أعناقهم، وأظهروا لأهل الشرك الموافقة على دينهم، ودخلوا في طاعتهم وآووهم ونصروهم، وخذلوا أهل التوحيد، وابتغوا غير سبيلهم وخطؤوهم، وظهر فيهم سبهم وشتمهم وعيبهم والاستهزاء بهم، وتسفيه رأيهم في ثباتهم على التوحيد، والصبر عليه وعلى الجهاد فيه، وعاونوهم على أهل التوحيد طوعاً لا كرهاً، واختياراً لا اضطراراً؟! فهؤلاء أولى بالكفر والنار، من الذين تركوا الهجرة شحاً بالوطن، وخوفاً من الكفار، وخرجوا في جيشهم مكرهين خائفين. فإن قال قائل: هلا كان الإكراه على الخروج عذراً للذين قتلوا يوم بدر؟ قيل: لا يكون عذراً، لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين، إذ أقاموا مع الكفار، فلا يعذرون

<<  <  ج: ص:  >  >>