الاستقامة، وعقاب أهل الركون إلى الذين ظلموا، عرف ما بين أهل الاستقامة وأهل الركون من التفاوت العظيم، كما قال بعض العلماء: وإنما تفاوت الواجبات والمحرمات، بتفاوت المثوبات والعقوبات؛ فحال الفريقين متفاوتة أبعد تفاوت، لتفاوت ما بين ثواب هؤلاء وعقاب هؤلاء.
ويزداد هذا المقام إيضاحاً، بالتفكر في اثنتين عظيمتين: قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سورة الأحقاف آية: ١٣-١٤] ، نفى عنهم الخوف والحزن، وأخبر أنهم أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون، أي من توحيد الله وطاعته، وامتثال أمره وترك نهيه.
وقال تعالى فيمن سلك غير سبيلهم، بارتكاب ما نهى الله عنه:{تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} الآية [سورة المائدة آية: ٨٠] ، فسجل تعالى على من تولى الكافرين، بالمذمة وحلول السخط عليهم، والخلود في العذاب، وأكد ذلك بنوعي التوكيد. ثم ذكر أن هذا الذي وصفهم به، ينافي الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه; ولها نظائر كقوله:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الآيات [سورة النساء آية: