فتأمل ما ذكرناه، من أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا اجتمع درء المفاسد واجتلاب المصالح، كان ذلك أقوى في الحجة على الخصم، من ذكر استجلاب المصالح فقط.
وأما استدلالك بكلام ابن القيم، فقد أبعدت النجعة، وما أبعده من دليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في ولايتهم، ولا صالحهم على الدخول فيها بما التزمه لهم، وأجابهم فيه بما يعظمون به حرمة من حرمات الله، فأين هذا مما أنتم فيه؟ فإن الولاة المذكورين لم يكن بينهم وبينهم مصالحة، ولا طلبوا منهم أمراً يعظمون به حرمة من حرمات الله، فتجيبوهم إلى ذلك وتعينوهم عليه، فما وجه الاستدلال بكلام ابن القيم لذلك، والحالة غير الحالة؟ وأما الولاة المذكورون، فإنهم قد حصل منهم موالاة وتول للكفار وموافقة، ومظاهرة على المسلمين، فلا شك في ردتهم؛ والمتأخرون منهم إما راضون بأفعالهم، أو معينون لهم، ولم يظهر منهم مخالفة لمن قبلهم، ولا عيب لهم على أفعالهم، فحكمهم حكمهم، إلا أن يكون قد تبين لكم منهم خلاف ما عليه أسلافهم. فإذا عرفت هذا، تبين لك وجه الحجة على خصمك لما ذكرناه.