ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام أحمد، اشتد إنكاره لذلك; ولما بلغه عن بعض أصحابه أنه يروي عنه مسائل بخراسان، قال: أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه: أنكر عليه، وقال: تكتب رأيا لعلي أرجع عنه غدا، اطلب العلم مثل ما طلبنا.
ولما سئل عن كتاب أبي ثور؟ قال: كل كتاب ابتدع، فهو بدعة. ومعلوم: أن أبا ثور من كبار أهل العلم; وكان أحمد يثني عليه; وكان ينهى الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثني عليهم ويعظمهم.
ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة، هجره أحمد، وكتب إليه: إن تركت كتب أبي حنيفة أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك. ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة، قال: إن عرفت الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها.
وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، [النّور، من الآية: ٦٣] . قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، ومعلوم: أن الثوري عنده غاية، وكان يسميه أمير المؤمنين; فإذا كان هذا كلام أحمد في كتب نتمنى الآن أن نراها، فكيف بكتب قد أقر أهلها على أنفسهم أنهم ليسوا من أهل العلم؟! وشهد عليهم بذلك،