وابتدأ في قتال العجم، اختار الله له ما عنده، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أقام بالمدينة عشر سنين. فوقعت الردة المشهورة، وذلك أنه لما مات صلى الله عليه وسلم ارتد غالب من أسلم، وحصلت فتنة عظيمة، ثبت الله فيها من ثبت، وأنعم الله عليه بالثبات بسبب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فإنه قام فيها قياما لم يدانه أحد من الصحابة، ذكرهم ما نسوا، وعلمهم ما جهلوا، وشجعهم لما جبنوا، فثبت الله به دين الإسلام، جعلنا الله من أتباعه، وأتباع أصحابه، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[سورة المائدة آية: ٥٤] قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه.
[وقوع الردة]
وصورة الردة: أن العرب افترقت في ردتها ; فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام، وقالوا: لو كان نبيا ما مات ; وفرقة قالوا: نؤمن بالله ولا نصلي ; وطائفة أقروا بالإسلام، وصلوا، ولكن منعوا الزكاة ; وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكن صدقوا لمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة ; وذلك أنه أقام شهودا شهدوا معه بذلك، وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة، يقال له "الرجّال" فصدقوه لما عرفوا فيه من العلم