وعلى هذا القول: فالجهمية في هذه الأزمنة، قد بلغتهم الحجة، وظهر الدليل، وعرفوا ما عليه أهل السنة والجماعة، واشتهرت التفاسير والأحاديث النبوية، وظهرت ظهورا ليس بعده إلا المكابرة والعناد، وهذه هي حقيقة الكفر والإلحاد، كيف: لا؟ وقولهم يقتضي من تعطيل الذات والصفات، والكفر بما اتفقت عليه الرسالة والنبوات، وشهدت به الفطر السليمات، مما لا يبقى معه حقيقة للربوبية والإلهية، ولا وجود للذات المقدسة، المتصفة بجميل الصفات، وهم إنما يعبدون عدما، لا حقيقة لوجوده، ويعتمدون على الخيالات والشبه، ما يعلم فساده بضرورة العقل، وبالضرورة من حقيقة دين الإسلام، عند من عرفه، وعرف ما جاءت به الرسل.
ولبشر المريسي وأمثاله، من الشبه والكلام في نفي الصفات، ما هو من جنس هذا المذكور عند الجهمية المتأخرين، بل كلامه أخف إلحادا من بعض قول هؤلاء الضلال، ومع ذلك فأهل العلم متفقون على تكفيره؛ وكذلك القبوريون لا يشك في كفرهم، من شم رائحة الإيمان.
وقد ذكر شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، في غير موضع: أن نفي التكفير بالمكفرات، قوليها وفعليها، فيما