للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المعنى الثاني، أعني: الخاص هو الأظهر، لوجهين:

أحدهما: ما في حديث النعمان بن بشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدعاء هو العبادة " ١ ثم قرأ الآية: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر آية: ٦٠] فاستدلاله عليه الصلاة والسلام، بالآية على الدعاء، دليل على أن المراد منها: سلوني.

وخطاب الله عباده المكلفين بصيغة الأمر، منصرف إلى الوجوب، ما لم يقم دليل يصرفه إلى الاستحباب؛ فيفيد قصر فعله على الله، فلا يجعل لغيره، لأنه عبادة; ولهذا أمر الله الخلق بسؤاله، فقال: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النساء آية: ٣٢] .

وفي الترمذي: عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يُسأل " ٢ وله عن أبي هريرة، مرفوعا: " من لم يسأل الله يغضب عليه " ٣ وله أيضا: " إن الله يحب الملحين في الدعاء " فتبين بهذا: أن الدعاء من أفضل العبادات، وأجل الطاعات.

الوجه الثاني: أنه سبحانه قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة آية: ١٨٦] والسائل راغب راهب، وكل سائل راغب راهب، فهو عابد للمسؤول. وكل عابد فهو أيضا راغب راهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه؛ فكل عابد سائل، وكل سائل لله فهو عابد.


١ الترمذي: تفسير القرآن (٢٩٦٩) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٨) .
٢ الترمذي: الدعوات (٣٥٧١) .
٣ الترمذي: الدعوات (٣٣٧٣) , وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>