للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحيرة لها من القلق وضيق الصدر ما لها; فصار في هذا مصداق قوله في الحديث عن القرآن: " من ابتغى الهدى من غيره أضله الله " ١ عاقبهم بضد قصدهم.

فإنهم قصدوا معرفة الفقه، فجازاهم بأن أضلهم; وكدر عليهم معيشتهم بعذاب قلوبهم بخوف الفقر، وقلة غناء أنفسهم، وعذاب أبدانهم بأن سلط عليهم الظلمة والغبرة; وأغرى بينهم العداوة والبغضاء؛ فإن أعظم الناس تعاديا، هؤلاء الذين ينتسبون إلى المعرفة. ثم قال: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} والعمى، نوعان: عمى القلب، وعمى البصر; فهذا المعرض عن القرآن، لما عميت بصيرته في الدنيا عن القرآن، جازاه الله بأن حشره يوم القيامة أعمى.

قال بعض السلف: أعمى عن الحجة، لا يقدر على المجادلة بالباطل، كما كان يصنع في الدنيا. {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً [سورة طه آية: ١٢٥] فذكر الله أنه يقال له: هذا بسبب إعراضك عن القرآن في الدنيا، وطلبك العلم من غيره.

قال ابن كثير في الآية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [سورة طه آية: ١٢٤] أي: خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه; وأخذ من غيره هداه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [سورة طه آية: ١٢٤] أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح ولا تنعم; ظاهره: أن قوما أعرضوا عن الحق، وكانوا في سمعة من الدنيا، فكانت معيشتهم ضنكا؛ وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفا


١ الترمذي: فضائل القرآن (٢٩٠٦) ، والدارمي: فضائل القرآن (٣٣٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>