للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم; فليس لهم ملك يهربون إليه إذا دهمهم أمر; يخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويعطي ويمنع.

{إِلَهِ النَّاسِ} [سورة الناس آية: ٣] أي: معبودهم الذي لا معبود لهم غيره، فلا يدعى ولا يرجى ولا يخلق إلا هو، فخلقهم وصورهم، وأنعم عليهم، وحماهم مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم، وأمرهم ونهاهم، وصرفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة الجامعة لصفات الكمال كلها.

وأما المستعاذ منه، فهو: الوسواس، وهو الخفي الإلقاء في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد; وأما الخناس فهو الذي يخنس ويتأخر ويختفي.

وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء؛ وهذان وصفان لموصوف محذوف، وهو الشيطان، وذلك: أن العبد إذا غفل جثم على قلبه، وبذل فيه الوساوس، التي هي أصل الشر; فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به خنس.

قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية، يضعه على ثمرة القلب، يمنيه ويحدثه; فإذا ذكر الله خنس. وجاء بناءه على الفعال، الذي يتكرر منه، فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.

وقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس آية: ٦] يعنى: أن الوسواس نوعان: إنس وجن؛ فإن الوسوسة الإلقاء الخفي، لكن إلقاء

<<  <  ج: ص:  >  >>