وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب على محل التخيل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوة، والسخافة والرقاعة، والرعونة والحماقة.
فبينا الرجل وعليه سمة الوقار، وبهاء العقل وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه، نقص عقله وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه، وقال: يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد.
فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة، إلى كثرة الكلام والكذب، والهزهزة، والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبات الذباب، ويدور دوران الحمار في الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد كخوران الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين. ولقد صدق الخبير به من أهله، حيث يقول:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا ... على طيب السماع إلى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني ... فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا النشاوى ... سرورا والسرور هناك صاحي