قلب إذا عرضت عليه فتنة أشربها، كما يشرب الإسفنج الماء، فتنكت فيه نكتة سوداء؛ فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس، وهو معنى قوله: كالكوز مجخيا، أي: منكوسا.
فإذا اسود وانتكس، عرض له من هاتين الآفتين، خطران متراميان به إلى الهلاك:
أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا؛ وربما استحكم عليه هذا المرض، حتى يعتقد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والحق باطلا، والباطل حقا.
الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وانقياده للهوى واتباعه له. وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها، فازداد نوره وإشراقه وقوته.
والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي: فتن الشهوات، وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل، فالأولى: توجب فساد القصد والإرادة، والثانية: توجب فساد العلم والاعتقاد. انتهى.