ولا تتمكن العقول وحدها إلى تمييز الخير من الشر، ولا إلى معرفة المعروف من المنكر، وليس في إمكانها أن تقف على حقائق الأمور، ولا أن تدير أمورها وحكمها على نظام تام، ومحكم مستقيم، لا خلل فيه ولا جور.
فإنها وإن وصلت إلى ما وصلت إليه من المعرفة والإدراك، فقد تميل إلى الباطل عن الحق، وتنحرف إلى الفساد عن الصلاح، ويخفى عليها وجه المصلحة، ولا تصل إلى الاهتداء لمغبة الأعمال؛ وكثيرا ما يبدو لها الشر في لباس الخير، فتظنه خيرا وهو شر محض، وبلاء مستطير، فتقع فيه؛ وكثيرا ما ظهر لها الخير فتظنه شرا، لعجزها عن إدراك الحقائق، فتقع فيه {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[سورة البقرة آية: ٢١٦] . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.