اليهود والنصارى والمشركين، وإن أراد أن يحرفها ويبدل مقصودهم بها، كان من الكذابين البهاتين المحرفين لكلم هؤلاء عن مواضعه؛ فلا يعظم هؤلاء وكلامهم، إلا أحد رجلين: جاهل ضال، أو زنديق منافق ; وإلا فمن كان مؤمنا بالله ورسوله، عالما بمعاني كلامهم، لا يقع منه إلا بغض هذا الكلام وإنكاره، والتحذير منه، وهذا كقول ابن الفارض:
لها صلواتي في المقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صَلَّت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
وما زلت إياها وإياي لم تزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
إلي رسولا كنت مني مرسلا ... وذاتي بآياتي علي استدلت
وقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي فرقها عن فرقة الفرق رفعت
فإن دُعِيت كنتُ المجيب، وإن أكن ... منادى أجابت من دعاني ولبّت
وإن نال بالتنْزيل محراب مسجد ... فما نال بالإنجيل هيكل بعثت
إن خر للأصنام ... إلخ، البيت السابق، وذكر أبياتا لابن إسرائيل وغيره، ثم قال: وحقيقة قول هؤلاء أنهم قالوا في مجموع الوجود أعظم مما قالته النصارى في المسيح، فإن النصارى ادعوا أن اللاهوت الذي هو الله، اتحد مع الناسوت، وهو ناسوت المسيح، أو حَلّ فيه، مع كفرهم الذي أخبر الله به، كما قال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}[سورة المائدة آية: ١٧] ، فهم مع هذا الكفر، يقرون أن الله خلق السماوات والأرض، وأنه مغاير للسماوات