وقف أولهم، وحذروا من التجاوز لها والعدول عن طريقهم، وبينوا لنا سبيلهم ومذهبهم، وحذرونا من اتباع طريق أهل البدع والاختلاف والمحدثات الذين قال الله فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[سورة الأنعام آية: ١٥٩] ، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[سورة آل عمران آية: ١٠٥] . ونرجوا أن يجعلنا الله تعالى ممن يقتدي بهم، في بيان ما بينوه، وسلوك الطريق الذي سلكوه.
والدليل على أن مذهبهم ما ذكرنا أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل مصدق لها مؤمن بها، قابل لها غير مرتاب فيها، ولا شاك في صدق قائلها، ولم يفسروا ما يتعلق بالصفات منها، ولا تأولوه، ولا شبهوه بصفات المخلوقين، إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لنقل عنهم، بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا أنهم كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه وتأديبه، تارة بالقول العنيف، وتارة بالضرب، وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته.
ولما سئل مالك بن أنس عن الاستواء كيف هو؟ فقيل له: يا أبا عبد الرحمن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[سورة طه آية: ٥] كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله، وعلاه الرحضاء - يعني العرق - وانتظر القوم ما يجيء منه، فرفع رأسه إليه، فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان