للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي ذر أفضل، ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا (١) فسبحان مرتب المنازل.

ومن العجب أن يُؤخد عليه في أمر فعله عمر، فقد رُوي أن عمر


(١) الذي تحصل عندي من تتبع نصوص الشريعة في أمر المال، ومراقبتي لتطبيق هذه النصوص في سيرة السلف وعملهم بها، أن المسلم له في نفسه وذويه من المال الذي يملكه ما يكفيه ويكفيهم بالمعروف كأمثاله وأمثالهم من أهل العفة والقناعة والدين، وما زاد عن ذلك فعليه أولا أن يؤدي زكاته الشرعية مباشرة بحسب اجتهاده إن لم يكن أداها للحكومة الإسلامية العاملة بأحكام الشرع وبعد أداء زكاته يكون صاحب المال في امتحان من الله كيف يحسن التصرف فيه بما يرضي الله ويزيد المسلمين قوة وسعادة وعزا، فإن كان تاجرا فمن طريق التجارة أو مزارعا فمن طريق الزراعة، أو صاحب مصنع فمن طريق الصناعة. والإسلام في دور قيامه استفاد من ثروة أغنياء الصحابة عونا ويسرا وقوة. وتجارة التاجر المسلم إذا أغنت المسلمين عن متاجر أعدائهم تعتبر قوة لهم بقدر ما يصدق صاحبها في هذه النية، وكذلك مصنع الصانع المسلم، وزراعة الزارع المسلم. والنية في هذه الأمور أمرها عظيم، وميزانها العمل عندما تمس الحاجة إليه. وبالجملة فإن للمسلم أن يكون غنيا بلا تحديد. بشرط أن يكون ذلك من حله، وأن يكتفي منه بما يكفيه بالمعروف، محاولا دائما أن يحرر نفسه من العبودية والانقياد للكماليات فضلا عن توافه الحضارة وسفاسفها. وبعد أن يؤدي زكاة ما يملك يعتبر ما زاد عن حاجته كالأمانة لله تحت يده. فيتصرف فيها بما يزيد المسلمين ثروة وقوة ويسرا وعزا وسعادة، أما طريقة أبي ذر في أن لا يبيت المسلم وعنده مال فليست الآن من مصلحة المسلمين، وطريقة أغنياء المسلمين الآن - في أن يعيشوا لأنفسهم ومتعهم غير مبالين بعزة الإسلام وقوة دولته وحاجة أهله - فليست من الإسلام، والإسلام لا يعرف الذين لا يعرفونه. انظر مقالتنا (المال في نظام الإسلام) في أول جزء شوال ١٣٧٤ من مجلة الأزهر.

<<  <   >  >>