للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلك، لاحتمال أن يكونَ كَذَب في ذلك الإقرار)) (١)، انتهى. وفَهِم منه بعضُهم أنه لا يُعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مُرادَه، وإنما نَفْيُ القطعِ بذلك، ولا يَلزم مِن نَفْيِ القطع نَفْيُ الحكْمِ؛ لأنّ الحكمَ يقع بالظن الغالب، وهو هنا كذلك (٢)، ولولا ذلك لما ساغ قَتْلُ الْمُقِرِّ بالقتل، ولا رَجْمُ المعترِفِ بالزنى؛ لاحتمال أن يكونا كاذِبَيْنِ فيما اعترفا به (٣).

ومِن القرائن، التي يُدرَكُ بها الوضعُ، ما يُؤخذُ مِن حال الراوي.

كما وقع للمأمون بن أحمد (٤) أنه ذُكِرَ بحضرته الخلاف في كون الحَسَن (٥) سمع من أبي هريرة أَوْ لا، فساق في الحال إسناداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه


(١) "الاقتراح" لابن دقيق، ص ٢٥.
(٢) قلتُ: بل هذا ليس كذلك على كلِّ حالٍ، وإنما قد يقع هنا الظن الغالب، وقد لا يقع؛ إذ هو بحسب القرائن واختلاف الأحوال، وهذا أيضاً مِن محاسنِ منهجهم أنّهم تنبهوا لهذا الأمر، واستخدَموا العقل في موضعه.
(٣) هذا صحيح، ولكن مع ملاحظةِ الفارق بين الأمرين في وجْهِ الشَّبَه، الذي يوجب التفريقَ بينهما في الحكم؛ إذْ أنّ الاعتراف باختلاقِ الحديث مقتضاه الطعن في الدِّين وتحريفه، ولا يَعْلم الكذّاب يقيناً أنّ ذلك يُهْدر دمه، بخلاف الاعتراف بموجبٍ مِن موجبات الحدود على المعترِفِ.
(٤) هو مأمون بن أحمد الهروي، السُّلَمِي، دجّال مِن الدجاجلة، وضع أحاديث كثيرة ظاهرة السقوط.
(٥) هو الحسن بن يسار البصري، ٢١ - ١١٠ هـ، رضع مِن أُمّ سلمة أم المؤمنين، كان مِن سادات التابعين وكبرائهم، جمع كل فنٍّ: مِن علمٍ، وزهدٍ، وورعٍ، وعبادةٍ، مع غاية الفصاحة.

<<  <   >  >>