للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِن أهم ذلك، بعدَ الاطّلاع: معرفةُ مراتبِ الجرح والتعديل.

لأنهم قد يَجْرحون الشخصَ بما لا يستلزم رَدَّ حديثِه كلِّهِ، وقد بَيَّنَّا أسبابَ ذلك فيما مضى، وحصرناها في عشرةٍ، وتقدَّم شرحُها مُفَصَّلاً.

والغرضُ هنا ذِكْرُ الألفاظ الدالة في اصطلاحهم على تلك المراتب.

[مراتب الجرح]

وللجرح مراتب (١):


(١) مراتبُ ألفاظ الجرح والتعديل:
للجرح والتعديل ألفاظٌ متعددةٌ غير منحصرة، وبحسب دلالة كلِّ لفظ وبحسَبِ اصطلاح قائله تكون درجته في باب الجرح أو التعديل.
واختلفت طرائقُ الأئمة في عدِّهم لمراتب الجرح ومراتب التعديل، والذي يعنينا هنا هو العِلْم بأنّ ألفاظ الجرح والتعديل ليست في مرْتبةٍ واحدةٍ، فالتعديل بأوثق الناس أو ثقة ثقة ليس كالتعديل بثقة أو لا بأس به أو صالح.
والجرح بأكذب الناس أو كذاب أو دجّال أو يضع الحديث ليس كالجرح بـ" ليّن" أو "سيّء الحفظ" أو "يخطئ" أو "كثير الوهم".
ولم يستوفِ المصنف، رحمه الله، مراتب الجرح والتعديل في هذا الموضع كلها؛ اختصاراً. وفيما يلي بيانٌ لها:
مراتب الجرح: (مرتَّبةً مِن الأسهل إلى الأسوأ):
١ - نحو قولهم: فيه مقال. فيه ضعف. ليس بذاك القويّ .... إلى آخره.
٢ - نحو قولهم: لا يُحتجُّ به، مضطرب الحديث … إلى آخر ما هنالك.
٣ - نحو قولهم: رُدَّ حديثه. ضعيفٌ جِدّاً. واهٍ بمرةٍ.
٤ - نحو قولهم: يَسْرق الحديث. متَّهَمٌ بالكذب، أو الوضع. ساقط.
٥ - نحو قولهم: دجّالٌ. كذّاب. وضّاعٌ. يَضع. يكذب.
٦ - ما يدلّ على المبالغة، كـ: أكذب الناس. إليه المنتهى في الكذب. ركْن الكذب.
وحُكْم هذه المراتب أنه: لا يُحتجُّ بأصحابها، لكن، المرتبتان الأُوليان يُكتب حديثِ أصحابهما للاعتبار. وتصنيفُ هذه المراتبِ أمرٌ اجتهاديٌّ، والعبرة بدلالة اللفظة وحُكْمِ صاحبها.
مراتب التعديل: (مرتَّبةً مِن الأعلى إلى الأسفل):
١ - الصحابة، رضوان الله عليهم، وكلهم عدولٌ بتعديل الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم.
٢ - ما جاء التعديل فيها بالمبالغة نحو: أوثق الناس، إليه المنتهى في التثبت.
٣ - ما كُرِّرَ فيه لفظُ التوثيق، كـ: ثقة ثقة.
٤ - ما انفرد بصيغةٍ دالةٍ على التوثيق، مثل: حجة. ثقة.
٥ - ما قيل فيه: ليس به بأس.
٦ - ما أَشْعر بالقرب مِن التجريح مثل: ليس بعيداً عن الصواب.
حُكْمُ هذه المراتب:
وحُكْمُ هذه المراتب: الاحتجاجُ بالأربع الأُوَلِ، أما أصحاب المراتب الأخرى فلا يحتج بهم، لكنْ، هناك فرقٌ بين ضعْفٍ وضعْفٍ؛ وذلك لاختلافِ درجاتِ الضعف، فمنهم مَن يُكتب حديثه في باب الشواهد والاعتبار، ومِنهم مَن يُكتب حديثه للبيان والتحذير منهم، كالكذّابين، مثلاً.
تعارُضُ الجرح والتعديل:
ليس كل جرح وتعديل في الراوي الواحد متعارضاً دائماً، فإذا كان التعارض حاصلاً بين الجرح والتعديل، فإنَّ الصواب في حُكْمِ ذلك هو أنْ نَدْرسهما كليهما، ونأخذ بما تَصِلُ إليه الدراسة، فإن ثَبَتَا جميعاً، وليس بينهما تعارضٌ، أخذْنا بهما جميعاً، وإلا أخذْنا بالثابت، وإلا رجّحنا. وإنّك واجِدٌ مِن الأئمة مَن قال كلاماً غيْرَ هذا، كاختيارِ تقديم الجرح في هذه الحال، أو غيْره مِن الأقوال، لكنه مِن قَبِيل الخطأ في الاجتهاد -في نظري-.
ولابن حجر اجتهادٌ خاصٌّ نوعاً ما في عَدِّ مراتب الجرح والتعديل، فأوصلها إلى ثنتي عشرة مرتبةً، ذكرها في أول "تقريب التهذيب". وقد نحوتُ في ذكرها هنا على ما ذكره السخاوي في "فتح المغيث"، وعلى ما ذكره د. عتر في تعليقه على النزهة.

<<  <   >  >>