للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - الموضوع]

فالقسم الأول: -وهو الطعن بكذب الراوي في الحديث النبويّ- هو الموضوع.

والحكم عليه بالوضع إنما هو بطريقِ الظنِّ الغالبِ، لا بالقطْع (١)؛ إذْ قد يَصْدق الكذوب (٢)، لكنْ، لأهلِ العلم بالحديث ملَكَةٌ قويّةٌ يُمَيِّزون بها ذلك (٣)، وإنما يَقوم بذلك منهم مَن يكون اطِّلاعه تامّاً، وذِهْنه ثاقباً، وفهْمه قويّاً، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكِّنة.

وقد يُعْرَف الوضع بإقرار واضعِهِ، قال ابن دقيق العيد (٤): ((لكن لا يُقْطَع


(١) قلتُ: هذا ليس دائماً؛ إذْ قد يَقُومُ الدليل القطعيّ على ذلك. ثم إنّ القطْع ليس شرطاً للحكم، وإنما العبرة بقيامِ الدليل أو الأدلة، ولا عِبرة بالاحتمالات والظنون بعد ذلك؛ فإنها لا يُسْقطُ بها الدليل أو الأدلة.
(٢) قلتُ: ومع ذلك لا ينفعنا صِدْقُهُ في هذا، بحسبِ منهجِ المحدِّثين، فرواياته مردودة مطلقاً. والاحتمالات الضعيفة هنا لا يُلْتَفَتُ لها، بحسبِ منهج المحدِّثين. وما يقوله بعضهم: "الحكم على الحديث بالصحةِ لا يعني أنه كذلك قطْعاً، والحكم على الحديث بالضعف لا يَعني أنه كذلك قطْعاً" = هو مِن قبِيل الكلام العقليّ الافتراضي، ولا يَصِحّ أن يكون له أَيُّ أثرٍ في الحكم بقبول الحديث أو ردّه، وإنما العمدة في ذلك هو منهج المحدِّثين.
(٣) لكن، مِن محاسنِ منهجهم، رحمهم الله تعالى، أنهم ردُّوا الحديث مِن طريق الكذّاب على كلِّ حالٍ، ولم ينشغلوا بتمييز الصدق مِن الكذب في روايات الكذّاب مِن طريقه هو، وإنما عَدَّوْا مجرَّد وجود الكذّاب في سندِ الحديث حُكماً على الحديث بالوضع. ثم يُحققون في مدى ثبوتِ أصلِ الحديث مِن الطرق الأخرى، فعند ذلك قد يَصحُّ مِن طريقٍ أو طرق أُخرى، وقد لا يَصحّ.
(٤) هو محمد بن وهب القشيري، أبو الفتح، تقي الدين ابن دقيق العيد، ٦٢٥ - ٧٠٢ هـ، نشأ على حالٍ واحدةٍ: مِن الصمت، والاشتغال بالعلم، والتحرز في أقواله وأفعاله، له عدة مؤلفات، منها: اختصاره لعلوم الحديث: "الاقتراح في تحقيق فن الاصطلاح"، و"العمدة شرح عمدة الأحكام"، وهو شاهدٌ بعلمه وفضله.

<<  <   >  >>