وتَمَسَّك كلُّ قائلٍ بدليلٍ جاءَ فيه ذكرُ ذلك العدَدِ؛ فأفاد العلمَ. وليس بلازمٍ أن يَطَّرِدَ في غيره؛ لاحتمال الاختصاص (١).
[١ - تعريف المتواتر وشروطه]:
فإذا ورد الخبر كذلك، وانضاف إليه أن يستوي الأمر فيه في الكثرة المذكورة من ابتدائِه إلى انتهائه -والمراد بالاستواءِ: أن لا تنقصَ الكثرةُ المذكورةُ في بعض المواضع، لا أن لا تزيد؛ إذ الزيادة مطلوبةٌ هنا مِن بابِ الأَولى- وأن يكون مستندُ انتهائه الأمْرَ الْمُشَاهَدَ أو المسموعَ، لا ما ثبت بِقَضِيِّةِ العقلِ الصِّرْف، كالواحد نصف الاثنين.
فإذا جَمَع هذه الشروطَ الأربعةَ، وهي:
١ - عددٌ كثير أحالت العادة تواطؤَهم، أو توافُقَهم، على الكذب.
٢ - رووا ذلك عن مثلهم مِن الابتداءِ إلى الانتهاءِ.
٣ - وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهم الحِسَّ.
(١) وهناك سببٌ ثانٍ، وهو أنه إذا أفاد عددٌ ما اليقينَ، فليس في ذلك دلالةٌ على أنّ ما نقص عنه لا يفيد اليقينَ، وهناك سببٌ ثالثٌ لهذا، أيضاً، وهو أنّ العِبرة ليست بالعدد فحسْبُ، بل إنّ للقرائن مَدْخَلاً؛ ولهذا ربما جاء العدد نفسُهُ في حالٍ فأفاد العِلم اليقيني، وجاء في حالٍ أخرى فلا يفيد العلمَ، بل ربما لا يَصحُّ أصلاً. إنه منهجُ المحدِّثين العِلميّ الفريد!