قال أبو قِلابة:((لو شئتُ لقلتُ: إن أنساً رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)). أَيْ: لو قلتُ لم أَكذبْ. لأن قوله:[١٩/ أ]"مِن السُّنَّةِ" هذا معناه، لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابة أَولى.
[قول الصحابي:"أُمِرنا بكذا أو نُهِينا عن كذا"]:
٤ - ومِنْ ذلك: قول الصحابي: "أُمِرنا بكذا"، أو "نُهِينا عن كذا"، فالخلاف فيه كالخلافِ في الذي قَبْلَهُ؛ لأن مُطْلَق ذلك ينصرف بظاهره إلى مَنْ له الأمر والنهي، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وخالف في ذلك طائفةٌ تَمَسّكوا باحتمالِ أن يكون المرادُ غيرُهُ، كأمر القرآن، أو الإجماع، أو بعض الخلفاء، أو الاستنباط؟ وأُجيبوا: بأن الأصل هو الأول، وما عداه محتَمِلٌ، لكنه بالنسبة إليه مرجوحٌ، وأيضاً، فَمَن كان في طاعةِ رئيسٍ إذا قال: أُمِرْتُ، لا يُفْهَمُ عنه أنّ آمِرَه إلا رئيسُهُ.
وأمّا قول مَن قال: يُحْتمل أنْ يُظَنَّ ما ليس بأَمْرٍ أَمْراً (١)، فلا اختصاصَ له بهذه المسألة، بل هو مذكورٌ فيما لو صَرَّح؛ فقال:((أَمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا))، وهو احتمالٌ ضعيفٌ؛ لأن الصحابي عدْلٌ عارفٌ باللسان؛ فلا يُطْلِقُ ذلك إلا بعد التحقيق.
(١) في نسخةٍ: "بآمر آمراً". وهو خطأٌ قطعاً؛ لأنّ الاعتراض بهذا المعنى قد سبَق في الفقرة السابقة، وهذا الاعتراض في هذه الفقرة اعتراضٌ جديد، لا علاقة له بتحديد الآمر، وإنما بفهْم الأمر ذاته. ولهذا كان جواب المؤلف -رحمه الله تعالى- هو قوله: ((فلا اختصاصَ له بهذه المسألة، بل هو مذكورٌ فيما لو صَرَّح فقال: أَمَرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)).