للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأحدُ الحفَّاظِ مِن التابعين- عن الصحابة أنهم إذا أَطلقوا السُّنَّة لا يريدون بذلك إلا سُنَّةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما قول بعضهم: إنْ كان مرفوعاً فَلِمَ لا يقولون فيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟.

فجوابه: أنهم تركوا الجزم بذلك تورُّعاً واحتياطاً (١)، ومِن هذا قول أبي قِلابة (٢) عن أنس: ((مِن السُّنَّة إذا تزوجَ البكرَ على الثيب أقام عندها سبعاً)) أخرجاه في الصحيح (٣).


(١) ليس هذا القول هو الظاهر؛ إذْ لو كان ذلك للاحتياط في نسبةِ ألفاظٍ معيّنةٍ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان مقبولاً، أمّا في نسبة الفعل فأيُّ تورّعٍ وأيُّ احتياطٍ فيه! يكفي أنه قد نسَبَ الفعلَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأيِّ لفظٍ كان؛ فإنّ معناه عنده هو نِسْبته وعزْوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!. ولعلّ الجواب الصحيح هو أنهم عبَّروا عن المعنى بلفظٍ آخرَ واصطلاحٍ آخرَ يؤدّي معناه، وقد استخدموا تلك الألفاظ المؤدّية للمعنى، وأطلقوها على الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جزماً، كما هو واضحٌ، مثلاً، مِن روايةِ سالمٍ هذه، التي صَرّح فيها جازماً، لمن سأله، بأنَّ المقصود سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو تنويعٌ وتفنّنٌ في الرواية، ليس إلا.
(٢) هو عبد الله بن زيد الجَرْمي، البصْري، ثقة فاضل، كثير الإرسال، هرب مِن تولي منصب القضاء، ت ١٠٤ هـ، حديثه في الكتب الستة.
(٣) في نسخةٍ: "الصحيحين". والحديث أخرجه البخاري برقم ٥٢١٤، النكاح، قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً، ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ. قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. وهو عند مسلم برقم ١٤٦١، الرضاع.

<<  <   >  >>