للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تُعرَفَ عدالتُهُ، أو يُعرَفَ فِسْقُهُ، أوْ لا يُعرَفُ فيه شيءٌ مِن ذلك (١).


(١) تعريف الجرح والتعديل: (وذلك حسَبَ تعريف الإمام ابن الأثير مع تعديله تعديلاً أَتلافى فيه مَواطِن الاستدراكات عليه).
الجرح: وصْفٌ متى الْتحق بالراوي أو الشاهد رَدَّ روايتهما أو ضعّفها.
التعديل: وصْفٌ متى الْتحق بالراوي أو الشاهد حُكم بقبول روايتهما أو قوّاها.
أحوال الرواة وأصنافهم مع الجرح والتعديل:
وقد تكلّم أئمة الجرح والتعديل على رواة الحديث، وشَمَل كلامُهم كلَّ رواة الحديث جرحاً وتعديلاً -باستثناء الصحابة رضوان الله عليهم فكلهم عدول- وأَلَّفوا في ذلك المؤلفات المتعددة، وأرّخوا لحياةِ كل راوٍ بكل ما عرفوه عن حياته مِن ولادته إلى وفاته، قياماً منهم بواجب الجرح والتعديل؛ حفاظاً على الشريعة المطهّرة، وأصبحت مؤلفاتهم -رحمهم الله- سِجِلاًّ حافلاً بتاريخ الرواة، ووثيقةً تاريخيةً تتحطم عليها الشكوك والأوهام في هذا الباب، وبها يَسْقط التشكيك والنقد المغرِض الْمُعادي لمنهج عِلمْ الرواية وعِلمْ الدراية عند المحدِّثين.
وأصبح الرواة -بناءً على كلامِ العلماء فيهم، جرحاً وتعديلاً، باستثناء الصحابة- على الأصناف الآتية:
١ - الثقات، ويُكْتب حديثهم للاحتجاج به.
٢ - الضعفاء ضعفاً محتمَلاً (أيْ: غير شديد)، ويُكْتب حديثهم للاعتبار؛ ليتقوّى في باب الشواهد والمتابعات.
٣ - الضعفاء ضعفاً شديداً، ويُكْتب حديثهم لبيان ضعفه والتحذير منه.
٤ - العدول الذين لم يُعْرف مدى ضبطهم، ويُكتب حديثهم للاختبار، أيْ: اختبار ضبطهم ويُحْكَم لهم بحسب النتيجة.
٥ - المختلَف فيهم جرحاً وتعديلاً، وهؤلاء تُطبّق فيهم قواعد الجرح والتعديل المعتمَدة في هذا الشأن.
٦ - المجهولون، الذين لم يَرِد فيهم جرح ولا تعديل، وهؤلاء معدودون في الضعفاء؛ لعدم التحقُّق مِن أهليّتهم للرواية.
ملحوظة في دلالةِ ألفاظ الجرح والتعديل:
مِن المهم في هذا الموضوع أن يَنْظر المرءُ في دلالةِ لفظةِ الجرح أو التعديل ليُقدِّر حكمَها ودرجتَها وهل تُسقِط رواية الراوي أم لا؟ أو هل لفظةُ التعديل تُقْبَلُ بمقتضاها روايةُ الراوي أم لا؟.
ويأتي هذا عن طريق معرفةِ موجِباتِ قَبول الراوي وموجبات ردّه.
فالتعديل، مثلاً: لا يُحْكَمُ بناء عليه بقبول الراوي إلا إذا تناولَ التزكية في العدالة والضبط بقدْرِ ما يكفي للاحتجاج بالراوي، فلو قيل في راوٍ: عدلٌ -مثلاً- فإنّ ذلك لا يكفي للاحتجاج به؛ لأنه لابد مِن توافر الضبط أيضاً -ما لم يَكن هذا الوصف مِن المواضع الاستثنائية المستعمَل فيها (عدْل في مكان الثقة)، فإنْ قيل: عدلٌ ضابطٌ، قُبلتْ روايته، أو قيل: ثقة، فكذلك؛ لأن الثقة هنا في الغالب تتناول التزكية في العدالة والضبط.
أهمية التثبت في تفسير الجرح والتعديل:
ينبغي التثبت في فهمِ دلالةِ ألفاظ الجرح والتعديل، ومراعاةُ مخارجِ هذه الألفاظ، أيْ: الظروف التي قِيلتْ فيها، ومراعاةُ اصطلاحاتِ كل إمام.
وينبغي مراعاة قواعد الأئمة المعتمَدة في الجرح والتعديل، والاحتكام إلى قواعدهم فيمن ورد فيه جرح وتعديل. والله الموفق.
قواعد في الجرح والتعديل:
هذه بعض القواعد المهمّة في باب الجرح والتعديل، جاء تحديدها مِن خلال طول التعامل مع كتبِ هذا الفن، فمِن القواعد:
١ - الجرح والتعديل لا يُقْبَلان إلا مِن عالمٍ بهما وبأسبابهما.
٢ - الجرح لا يُقْبَلُ إذا صدَرَ بغير إنصاف.
٣ - جَرْح القَرِين في قَرِينه لا يُقْبَلُ إذا عارضه قولُ غيره فيه، أو ظهرت قرائن تدلّ على تحامله عليه.
٤ - الجرح المبهم لا يُقْبَلُ إلا إذا كان مِن إمامٍ معتَبرٍ ولم يعارضه تعديل.
٥ - الجرح المبهم إنما يُقْبَلُ في حق مَن خلا عن التعديل، أمّا مَن وُثِّق وعُدِّل فلا يُقْبَلُ فيه ذلك.
٦ - يُراعى عند تعارُضِ الجرح والتعديل في الراوي الواحد مناهجُ الأئمةِ ومسالكُهم في الجرح والتعديل مِنْ تَشدُّدٍ وتساهلٍ، وتعصّبٍ واعتدالٍ، ونحو ذلك، وكذلك المعاصَرة للراوي وعدمها، ونحو ذلك.
٧ - يجب مراعاةُ اصطلاحاتِ الأئمة في ألفاظِ الجرحِ والتعديل والفروقِ بينها، فتُنَزَّل كل عبارة على مرادِ قائلها. وبدون ذلك لا يُمْكن فَهْم كلامهم في الجرح والتعديل.
٨ - قبل اعتمادِ الجرحِ والتعديل في الراوي لا بدّ مِن أمرين:
أ - التثبتُ مِن نِسْبتهما لقائلهما.
ب- فهْمُ مراده منهما.
٩ - مراعاةُ مخارجِ ألفاظ الجرح والتعديل وأسبابهما أمرٌ لازمٌ لفهمِ مرادِ الجارح والمعدِّلِ واختيار الرأي الصائب في حقّ الراوي.
١٠ - مِن الخطأ الاكتفاء -في الجرح والتعديل- بقول إمامٍ واحدٍ في الراوي، إنْ كان تكلّم فيه غيرُه، إذْ لابد مِن الرجوع لأقوال كلِّ مَن تَكلّم في الراوي جرحاً وتعديلاً؛ لِيُوازَن بينها فيؤخذ بالمقبول أو الراجح منها. أمّا إذا لم يوجد إلا قولُ إمامٍ واحدٍ فيكتفى به.
١١ - مِن شرْط تحقيقِ الإنصاف عدمُ الاقتصار على الأقوال في جرح الراوي فقط، أو في تعديله فقط، فلا بدّ لمعرفة درجته، مِن النظر للأمرين معاً. والله الموفق الهادي إلى السداد.

<<  <   >  >>