ولو سَرّحْتَ الطرفَ في عِلم ابن حجر ومؤلفاته؛ فإنه سيُدهِشُك، وستُدْرِكُ أنه أَسْهَمَ في مختَلَفِ مجالات العلم، فقدْ:
١ - أَلّف أكثرَ مِن ١٥٠ مؤلَّفٍ. بعضها عشرون مجلداً، وبعضها أكثر وبعضها أقلّ، ومؤلفاته الصغيرة الحجم لا تَقِلُّ عظَمةً عن مؤلفاته الضخمة، وخُذْ مثلاً: هذه "نزهة النظر شرْح نُخبة الفِكَر في مصطلح أهل الأثر"، وانظر كيف شَغَلت الدنيا مِن عصره إلى يومنا هذا؛ درساً وتدريساً، وشرحاً واختصاراً، ونظماً ونثراً؛ حتى كانت مخطوطاتُها تَعِزُّ على الحصْر، قبل أَعدادِ نُسَخِ طبْعها ونشرها! فما بالُك بموسوعاته الكبيرة!
٢ - استدرَكَ على مؤلفاتِ غيره في عددٍ مِن الكتب التي أَلَّفها للاستدراكِ على مؤلفيها بتصحيح معلومةٍ، أو إضافةِ معلومةٍ فاتْت مؤلِّف الكتاب، فكانت بعضُ هذه الكتب التي أَلّفها استدراكاً على مؤلفيها قد زاد حجمها على الكتاب المستدْرَك عليه إلى الضِّعف أو أكثر أو أقلّ! والعَظَمة حقّاً حين يكون الكتاب المستدرَك عليه موسوعةً، ومع ذلك يَخوض في بحرها ويَستدرِك عِلماً كبيراً، ككتاب "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، إذ هذّبه في كتابه "تهذيب التهذيب"، فحذَف منه، وزاد عليه فجاء التهذيب قَدْرَ ثُلِث أصله بالرغم مِن كثرة زياداته عليه!