وقد نَقَل ابن حجر هذه المقولة في الإشادة بالخطيب البغدادي، ولعله حين نقَل ذلك كان هو أَوْلى بها، لكنه لم يَذْكر نفسَه بقليلٍ أو كثيرٍ مِن ذلك، بل أَخبَر تلميذَه أو تلاميذَه أنه ليس راضياً كل الرضا إلا عن نحو خمسةٍ مِن مؤلفاته؛ فهذه عظَمَةٌ فريدة!
ومعَ هذا كله فلا تنافيَ ولا تَعارُض بين إمامةِ كلٍّ منهما بهذا التفرّد، كلٌّ منهما في زمانه، ولا مانع مِن تجَدُّد هذه الإمامة والعَظَمَة في تاريخ الإسلام كله في مختلف مراحله وأحواله مِن قبْلِ ابن حجر ومِن بَعْده؛ إذ الإسلام ولاّدٌ للعلماء العظماء الأفذاذ، والحمد لله رب العالمين.
إنّ مِن خصائصِ الإمام ابن حجر أنه اجتمع فيه -كما ترى- عظَمَةُ الزهد، وزُهْد العَظَمة!
قال السخاوي في (الجواهر والدرر .. ): " … التَمَسَ منه صاحبُنا الشيخُ شهاب الدين البيجوري قراءةَ شيءٍ مِنْ كتبه عليه، فقال له -على سبيل التواضع- أيضًا: قُصارى أمري أنْ أتفرّغ للقيام بما يُقال: إنَّني أعرفُه، وهو الحديث".
إنك إذا تأملتَ وَجدتَ أنّ أولئك هم الناس، ونحن مجرّدُ أَشكالٍ فيها ألْفُ إِشكال!
نظرتُ إلى الإمام ابن حجر وإلى نفسي؛ فإذا أنا عند الإمام ابن حجر بمثابة حَجَر!
ألا ما أعظَمَ إحسان الإمام ابن حجرٍ إلينا بعلومه وسِيرته! اللهم قدّرْني وقدّرْ عبادك على شيء في مكافأة هذا الإمام، وهكذا الأمرُ بالنسبة لسائرِ أئمّة الإسلام العِظام.
إنّ مَن يَعشْ مع هذا الإمام وعلومه وتحقيقاته وفوائده، حياتَهُ كلها، يَسْعدْ