للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جرحُ مَن أَفْرَطَ فيه؛ فَجَرَحَ (١) بما لا يقتضي ردَّ حديث المحدِّث، كما لا تُقبل (٢) تزكيةُ مَن أَخذ بمجرد الظاهر؛ فأَطلق التزكيةَ.

وقال الذهبي (٣) -وهو مِن أهل الاستقراء التامّ في نقْد الرجال-: ((لم يَجتمع اثنان مِن علماء هذا الشأن قطُّ على توثيقِ ضعيفٍ، ولا على تضعيفِ ثقةٍ)) (٤) انتهى.

ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يُترَكُ حديثُ الرجلِ حتى يجتمعَ الجميعُ على تركه (٥).

وَلْيَحْذَر المتكلمُ في هذا الفن مِن التساهل في الجرح والتعديل؛ فإنه إنْ عدّلَ بغيرِ تثبّتٍ كان كالْمُثْبِتِ حُكْماً ليس بثابتٍ، فَيُخْشَى عليه أن يَدْخل في زمرة مَن رَوى حديثاً وهو يُظَن أنه كَذِبٌ (٦)، وإن جَرَحَ


(١) في نسخةٍ مطبوعة: "مجرّحٌ" (!).
(٢) في نسخةٍ: "يُقبل".
(٣) في كتابه "الموقظة في مصطلح الحديث"، ص ٦٣.
(٤) قوله: "وقال الذهبي": كلام الذهبي، رحمه الله، ليس على هذا الإطلاق الظاهرِ منه؛ وإنما هو بحسب دلالةِ سياقِهِ؛ فإنه قَسّمَ المتكلمين على الجرح والتعديل إلى ثلاثِ فئات: المتشددين، والمعتدلين، والمتساهلين؛ فهو يَقْصد بالإجماع هنا اجتماع اثنين مِن طبقتين مختلفتين مِن هذه الطبقات الثلاث، ذَكَر كلامه هذا في "الموقظة"، ونقله بنصه السخاوي "فتح المغيث" وفي "المتكلمون في الرجال"، وغيرُهُ. واختلفوا كثيراً في تفسير معناه الذي قَصَدهُ الذهبي، ولا مجال للإطالة فيه هنا.
(٥) ونقله المؤلف أيضاً في "النكت على ابن الصلاح"، ١/ ٤٨٢.
(٦) بل قد يكون أشنعَ مِن ذلك؛ لأنّ ضرره لا يقتصر على حديثٍ واحدٍ، وإنما يشمل كلَّ ما رواه ذلك الراوي مِن الحديث؛ فيتعدد الضرر بتعدد رواياته.

<<  <   >  >>