للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدارقطني (١)، وغيرهم، اعتبارُ الترجيح فيما يتعلقُ بالزيادة وغيرها، ولا يُعْرَفُ عن أحدٍ منهم إطلاقُ قبولِ الزيادةِ.

وأَعْجَبُ مِن ذلك إطلاقُ كثيرٍ مِن الشافعية القولَ بقبولِ زيادةِ الثقة، مع أن نَصَّ الشافعي يدل على غير ذلك، فإنه قال (٢) -في أثناء كلامه على ما يُعْتَبَرُ به حالُ الراوي في الضبط- ما نصه: ((ويكونَ إذا شَرِكَ (٣) أحداً مِن الحُفَّاظِ لم يخالِفْه، فإنْ خالفه فَوُجِد حديثُه أَنقصَ كان في ذلك دليلٌ على صحة مَخْرَجِ حديثه. ومتى خالف ما وَصفتُ أضَرّ ذلك بحديثه))، انتهى كلامه، ومقتضاه أنه إذا خالف فوُجِد حديثُهُ أَزْيَدَ أَضرَّ ذلك بحديثه، فدل على أن زيادة العدل عنده لا يَلزم قبولها مطلقاً، وإنما تُقبَلُ مِن الحفاظ، فإنه اعْتَبَرَ أنْ يكون حديثُ هذا المخالف أنقصَ مِن حديث مَنْ خَالفه مِنَ الحُفّاظ، وجَعَلَ نقصانَ هذا الراوي مِن الحديث دليلاً على صحته؛ لأنه يدل على تحرّيه، وجَعَلَ ما عدا ذلك مضراً بحديثه؛ فدخلتْ فيه الزيادة؛ فلو كانت عنده مقبولةً مطلقاً لم تكن مضِرّةً بحديثِ (٤) صاحبها (٥).


(١) هو علي بن عمر بن أحمد أبو الحسن الدارقطني، ٣٠٦ - ٣٨٥ هـ، إمام من أئمة الحديث والعلل.
(٢) في "الرسالة" (ص ٤٦٣).
(٣) هكذا جاء ضبْطُها في الأصل "شَرِك"، وهو الصواب لغةً، شَرِك يَشْرَك، مِثْل: عَلِمَهُ يَعْلَمُه، كما في مختار الصِّحاح.
(٤) في الأصل أُلحِقت كلمةُ: "بحديث" إلحاقاً في الحاشية.
(٥) المخالفة وأثرها في المروي: إذا كثرت المخالفةُ عاد أثرها، كذلك، على الراوي ودلت على طعنٍ في ضبطه؛ ومعنى هذا أن هناك فرقاً بين قولنا: "مخالفة الثقات"، وبين قولنا: "كثرة مخالفة الثقات"، إذ الأُولى لا تستلزم الطعن في الراوي، بخلاف العبارة الثانية، وأمّا الرواية فإنها تتأثر بالمخالفة مطلقاً، إذا كانت مخالفةً في أمرٍ أساسٍ في الحديث، بخلافِ ما لو كانت في أمرٍ ثانويّ لا علاقة له بأساس الحديث.

<<  <   >  >>