للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجْه الجمع بينهما: أنّ هذه الأمراضَ لا تُعْدِي بطبعها (١)، لكنّ الله سبحانه وتعالى جعلَ مخالَطَةَ المريضِ بها للصحيح سبباً لإعدائه مَرَضَه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه (٢) كما في غيره مِن الأسباب. كذا جمَعَ بينهما ابن


(١) تعليق على هذا الجمع بين الحديثين: هذا الجمع ليس هو الذي يقتضيه المنهج؛ بل الصواب هو أن المنفي في الحديث هو ما كان سائداً في الجاهلية مِن تخيُّلِ طبيعةِ انتقالِ العدوى بغير سببٍ صحيحٍ مِن أسبابِ انتقالِ الأمراض المعدية، التي يُثْبتها- بصورةٍ قطعيّةٍ- الشرعُ والعقلُ وواقع العلِم اليوم. وقد تابع د. عتر غيرَه على هذا الخطأ حيثُ رجّح رأيَ الإمام ابن الصلاح، في طبعته الثالثة للنزهة، ص ٧٧. فالمرجوّ مِن طلابنا وأحبابنا التنبّه لهذا الخطأ في تفسير هذا الحديث وبقية الأحاديث في الموضوع، الذي ذهَبَ إليه إمامنا ابن حجر وسِواه، وأنّ الصواب هو أنّ هذا الحديث ليس مِن بابِ سدِّ الذرائع، بل هو مِن باب تقرير الشرائع بإثباتِ العدوى، ثم جاء العِلْم والواقع اليوم -بحمد الله- بإثباتها إثباتاً قطعيّاً بدلالةِ الأحاديث النبوية، ولهذا جاء الشرع بالتدابير الشرعية الصحّيّة؛ لاجتنابِ أسبابِ انتقال هذه الأمراض، وقد سَبَق الإسلامُ مختلَف وسائلِ البشَر وأسبابهم لاجتناب العدوى؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - -مثلاً- هو أوّلُ مَن قَنّنَ للأُمّة الحجْرَ الصحّيَّ، وأَمَرَ باجتنابِ مخالطةِ الصحيح للمريض مرضاً معْدياً؛ ومِن هنا نَسألُ أئمتَنا الفضلاءً السابقين، رحمهم الله، القائلين بهذه التفسيرات الخطأ للأحاديث في باب العدوى وما له علاقةٌ بهذه المسألة، فنقول: هل ترون أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قَرَّر هذه التدابير الوقائية لأنه - صلى الله عليه وسلم - منكِرٌ للعدوى! كلا، كلا، بل العكس، والحمد لله الذي وفَّقَ لهذا الفقه السديد، والأخْذِ بالأدلة كلها، وللعمل بدلالةِ الأدلة كلها.
(٢) قوله: "ثم قد يتخلّف ذلك عن سببه": وهذا صحيح، وذلك لأسبابٍ أخرى أو موانع أقوى، ولكنْ هذا القول ليس إبطالاً لإثبات أسباب العدوى الثابتة شرعاً وواقعاً.

<<  <   >  >>